تعيش السعودية هذه الأيام جدلا كبيرا حول قضية عمل المرأة والاختلاط في مواقع العمل , و قد بلغ الجدل قمته في أعقاب مؤتمر الحوار الوطني السابع الذي اختتم أعماله في السعودية منذ أيام .
ويقول المدافعون عن جواز الاختلاط إنه سنة الحياة (1) , وأن مفردة ( الاختلاط ) لم توجد في الكتاب أو السنة , و إنما انحدرت من أدبيات الخطاب الصحوي , الذي عبأ هذه المفردة و خزنها خلال الثمانينات والتسعينات من العقدين الماضيين بصورة مرعبة جعلت الناس ينظرون إليها و كأنها جريمة (2) مشيرين إلى أنه يختلف عن الخلوة التي لا يجيزها الشرع, ويشيرون إلى إمكانية وجود ضوابط للسماح بالاختلاط في محاولة للاستفادة من آلاف النساء المتعلمات وتشغيلهن , و يتهمون الرافضين للاختلاط بالوقوف في وجه عمل المرأة و السعي إلى تعطيل و تعويق المسيرة التنموية للبلد .
و في المقابل يسوق الرافضون للاختلاط مجموعة من الأدلة الشرعية التي يرون فيها دلالات صريحة على تحريم الاختلاط (3), ويشيرون كذلك إلى أنهم لا يعارضون عمل المرأة و إنما الخلاف عندهم على كيفية و مكان العمل , و يتهمون المنادين للاختلاط بالسعي إلى إفساد المجتمع عن طريق بوابة المرأة , و كذلك اتخاذِ القراراتِ التي تخالفُ النظامَ الصريحَ المعلنَ للدولةِ؛ أوْ دفعُ المسئولين إلى اتخاذِها وتحسينُها لهم (4)
و بعيداً عن موقفي الفريقين , فقد يكون من المنطقي النظر في جدوى الاختلاط من عدمه , وهل تساعد البيئة المختلطة على الإنتاجية و النجاح , أم أن ما يحدث هو العكس , وذلك من خلال استعراض بعض الدراسات الميدانية أو الشهادات الواقعية لبعض الذين مارسوا أو عايشوا العمل في بيئات مختلطة .
فمحلياً أجرت صحيفة اليوم السعودية تحقيقاً اشتمل على مقابلات مع موظفات تفرض طبيعة عملهن الاتصال بالرجال أو مقابلتهم , و قد اشتكين من تعرضهن لأنواع كثيرة من التحرش الجنسي الوظيفي (5)
أما على المستوى العربي فقد أجريت دراسة جادة و حديثة على عينة من مائة (100) من العاملات في الأجهزة الحكومية والقطاع العام من المقيمات بمدينة القاهرة الكبرى، اللائي بلغ متوسط أعمارهن (30.7 + 11.
, و قد كشفت الدراسة أن نسبة (68%) من أفراد العينة تعرضن لأحد أشكال التحرش الجنسي اللفظي أو البدني (6)
أما في الغرب ففي مسح أجرى على عاملات مدنيات أمريكيات تبين أن (42%) من النساء ادعين أنهن تعرضن للتحرش الجنسي في أعمالهن (7) , وخلصت نتيجة مسح آخر إلى أن مشكلة التحرش الجنسي تعد من أهم المشكلات التي تواجه المرأة العاملة (
.
وفي دراسة للمؤسسة الوطنية البريطانية للبحث التعليمي, نشرت في 8 يوليو 2002 , وأجريت على 2954 مدرسة ثانوية في انجلترا لدراسة مدى تأثير حجم المدرسة ونوعها (مختلطة أو غير مختلطة) على أدائها التعليمي , تبين أن أداء الطلبة الذكور والإناث كان أفضل دراسيا في المدارس غير المختلطة و أن الفتيات كن أكثر استفادة من الفصل بين الجنسين في تنمية أدائهن .
كذلك وجد من تحليل نتائج الامتحانات البريطانية العامة أن المدارس غير المختلطة تحقق أفضل النتائج وأعلاها بشكل روتيني. ففي سنة 2001 كان العشرون الأوائل في امتحانات البريطانية من طلاب المدارس غير المختلطة، وأغلب الخمسين الأوائل من الدارسين في تلك المدارس. (9)
أما بالنسبة لشهادات بعض من عايشوا الاختلاط , فقد جاء في مقالة للكاتبة الشهيرة ( اللادي كوك): بجريدة ( الايكوما) مانصه: ( إن الاختلاط يألفه الرجال، وقد طمعت المرأة فيه بما يخالف فطرتها، وعلى قدر كثرة الاختلاط تكون كثرة أولاد الزنا ... ) (...علموهن الابتعاد عن الرجال، أخبروهن بالكيد الكامن لهن بالمرصاد ) (10)
وتقول (Lin Farley): في كتابها (الابتزاز الجنسي Sexual Shakedown): ( إن الاعتداءات الجنسية بأشكالها المختلفة منتشرة انتشاراً ذريعاً في الولايات المتحدة وأوروبا، وهي القاعدة وليست الاستثناء بالنسبة للمرأة العاملة في أي نوع من الأعمال تمارس مع الرجل... ) (... إنّ تاريخ ابتزاز المرأة العاملة جنسياً قد بدأ منذ ظهور الرأسمالية، ومنذ التحاق المرأة بالعمل ). (11)
و من المؤكد أن مثل هذه الدراسات و القناعات التي توصل إليها بعض الغربيين هي ما حدا ببعض مؤسسات المجتمع المدني و على رأسها مؤسسة (Single Sex Education ) إلى السعي إلى توعية المجتمع الأمريكي بخطر الاختلاط , وقد نجحت و بعد سجال دام ما يقارب 10 سنوات مع بعض المعارضين في إقناع الحكومة , فكان أن أصدر الرئيس جورج بوش في عام 2006 قانون يسمح بفتح مدارس حكومية غير مختلطة .
و أخيرا و بعد استعراض هذه الدراسات و الشهادات , ومع استبعاد فرضية تأثر أصحابها بالفكر الصحوي المتهم باختراع لفظة الاختلاط و تشويه دلالاتها , فإني أترك لك أخي القارئ الكريم الحكم بضرر الاختلاط من عدمه .
---------------------------------------------